خلافاً للاعتقاد الشائع، لا تقتصر القراءة على فتح كتاب من ألف صفحة والتحديق لساعات في كلمة تلو الأخرى، إلى أن ندرك في النهاية بأن كل هذا الوقت كان ضائعاً في نشاط غير منتج. في الواقع، تلعب القراءة دورًا مهمًا للغاية في حياتنا اليومية، لكننا تأقلمنا معها لدرجة أننا لم نعد ندرك عدد المرات التي نقوم بها بالقراءة بالفعل.
يمكن تأدية نشاط القراءة بحد ذاته بأشكال عديدة، منها البسيط مثل قراءة لافتة أو أسماء الشوارع، ومنها الأكثر تعقيدًا مثل قراءة الأخبار أو المحتوى التعليمي أو حتى الكتب الخيالية. وتعود القراءة بفوائد عديدة على من يمارسها، مثل تحسين التركيز والمفردات والتواصل، بالإضافة إلى تقليل التوتر وتحفيز الإبداع والخيال.
وقد وجد تقريرٌ صادر عام 2017 بعنوان "هل يقرأ العرب أقل من غيرهم حقًا" أّنّ نسبة ممارسة نشاط القراءة لدى العرب في المملكة العربية السعودية أقل من نسبة ممارسته لدى المغتربين الغربيين والآسيويين في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن إمضاء الوقت مع أفراد الأسرة والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي يؤثران سلباً على نسبة ممارسة القراءة، في حين أن الانفتاح على الأخبار العالمية في المملكة كان له تأثير معاكس. كما تبين أن المملكة هي الدولة العربية الوحيدة التي ترتبط فيها ممارسة القراءة بمستوى التعليم الرسمي.
وقد أشار بحثٌ سابق أجرته صحيفة عرب نيوز اليومية المحلية في عام 2015 إلى أن التطور التكنولوجي أثّر سلبيًا على ممارسات القراءة لدى الناس، حيث فضّل معظمهم استخدام الإنترنت والأجهزة الذكية وأجهزة التلفاز أو حتى مجرد قضاء الوقت مع الأصدقاء على القراءة. وقد أدى ذلك إلى وصول متوسط وقت القراءة في السنة لدى القارئ العربي إلى 6 دقائق مقابل 12,000 دقيقة لدى الطفل الغربي.
القراءة للتعلم، والتعليم والتواصل
بدأت شركة أرامكو السعودية بتشجيع المبادرات التي تتماشى مع تطلعات رؤية 2030 حتى قبل الإعلان عن الرؤية. فقد تعاونت أرامكو في عام 2016 مع تام للترويج لمسابقة أقرأ الهادفة لإثارة اهتمام الشباب السعودي بالأدب.
أُطلقت مسابقة أقرأ للاحتفال بحب القراءة - وبالتالي البحث عن المعرفة - والتشجيع عليها وتعزيزها في المملكة العربية السعودية. وقد صممت تام البرنامج ليدمج مسابقة ومعسكر تدريبي يمتد على أسبوعين في نشاط واحد لتسليط الضوء على أهمية محو الأمية والقراءة.
وكانت المسابقة مقسومة إلى جزأين يمكن للجمهور التقديم لهما: مسابقة قارئ العام التي ركزت على القراءة والكتابة والتحدث ومشاركة المعرفة، ومسابقة قارئ الجمال (أو Beauty Reader في الإنجليزية) التي سعت إلى تجسيد الشغف بالقراءة من خلال التصوير الفوتوغرافي. سُمح للمتقدمين في البداية بتقديم أي كتاب يريدونه سواءٌ كان باللغة الإنجليزية أو باللغة العربية. ولكن نظراً إلى أن المملكة هي دولة عربية ولغتها الرئيسية هي اللغة العربية، كان على المتسابقين تقديم كتاب عربي في النهائيات.
استخدمت تام منصات الإعلام الرقمية والتقليدية للترويج لمسابقة أقرأ، كما صنعت إعلانات ترويجية ورسوم توضيحية ونشرتها لضمان إيصال الرسالة بوضوح إلى المواطنين السعوديين والمقيمين الناطقين باللغة العربية. تقدم أكثر من 18,000 شخص للمسابقة من أصل أكثر من مليون زائر للموقع، وهو أكبر عدد من المتقدمين حتى الآن.
كما تم استخدام التواصل المباشر لخلق المزيد من الوعي والشعور بالقيمة بين الجمهور ممن لا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة. وشمل ذلك زيارات للمؤسسات التعليمية وحملات للتسويق التفاعلي ورسائل نصية قصيرة ومكالمات هاتفية ورسائل البريد الإلكتروني للمتقدمين الذين تم قبولهم أو من لديهم استفسارات.
وبما أنّ عملية تصفية 18,000 متقدم يدوياً كانت ستستغرق وقتًا طويلاً، لجأت تام إلى أحد أنظمة التصفية الخاصة بها لتسريع العملية، حيث قام النظام المكون من جزأين بفصل الطلبات أولاً إلى 3 فئات بحسب صلاحية الطلب بهدف اختيار 140 منها لقائمة الترشيح، ليتم بعدها اختيار 40 مشترك نهائي من قبل لجنة تحكيم تم تعيينها بناءً على خبرة ومعرفة أعضائها في المجال الأدبي.
بعد ذلك، انتقل المشتركون الأربعون إلى المعسكر التدريبي، الذي ركز على 4 مجالات مختلفة، وهي الفن والفكر والأدب والعلوم. وتم تحضير ورش العمل والمحاضرات والأنشطة بناءً على موضوعات يومية كانت لجنة التحكيم اقترحتها مسبقاً، فيما تولت تام الناحية التنظيمية لضمان إجرائها بسلاسة وفعالية.
في الأيام الأخيرة من المعسكر التدريبي، اجتمع المشاركون لمشاهدة ومناقشة الفيلم الوثائقي "البوصلة" واستكملت التدريبات النهائية على الحفل الختامي. وتم تعيين لجنة تحكيم جديدة لاستعراض وتقييم العروض النهائية، وذلك للحفاظ على النزاهة والابتعاد عن الانحيازية. وفاز 5 مشتركين بلقب "قارئ العام" و3 أخرين بلقب "قارئ الجمال"، ومنحوا جائزة كبرى وجائزة دعم على شكل شراكات داخل قطاع الثقافة السعودي.
"أعطتني كل شيء في حياتي. أعطتني أفضل ناس قابلتهم، أعطتني أفضل شعور. [...]غيّرت هذه التجربة حياتي جداً، وهي أفضل تجربة، وليس هذا تسويقاً للمسابقة أو أي شيء من هذا القبيل، ولكن في الحقيقة الكل متفائل بهذه التجربة وبالملتقى". - أمجاد الغامدي، إحدى الفائزات بمسابقة أقرأ، 2016.